Translate

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

الملك المالك المليــك جلَّ جلاله



المَلِكُ من أسماء الله سبحانه وتعالى، ومَعْنَى المُلْكِ الحَقِيقِيِّ ثَابِتٌ لهُ سبحانَهُ بكلِّ وَجْهٍ؛ فهوَ الآمِرُ الناهِي المُعِزُّ المُذِلُّ، الذي يُصَرِّفُ أُمُورَ عبادِهِ كما يُحِبُّ وَيُقَلِّبُهُم كما يَشَاءُ.

{.. كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]
يَغْفِرُ ذَنْباً وَيُفَرِّجُ كَرْباً وَيَكْشِفُ غَمًّا وَيَنْصُرُ مَظْلُوماً وَيَأْخُذُ ظَالِماً، وَيَفُكُّ عَانِياً، وَيُغْنِي فَقِيراً، ويَجْبُرُ كَسِيراً، وَيَشْفِي مَرِيضاً، وَيُقِيلُ عَثْرَةً، وَيَسْتُرُ عَوْرَةً، وَيُعِزُّ ذَلِيلاً، وَيُذِلُّ عَزِيزاً، وَيُعْطِي سَائِلاً، وَيَذْهَبُ بِدَوْلَةٍ وَيَأْتِي بِأُخْرَى، وَيُدَاوِلُ الأيامَ بينَ الناسِ، وَيَرْفَعُ أَقْوَاماً وَيَضَعُ آخَرِينَ ..
فهوَ المُتَصَرِّفُ في المَمَالِكِ كُلِّهَا وَحْدَهُ تَصَرُّفَ مَلِكٍ قَادِرٍ قَاهِرٍ عَادِلٍ رَحِيمٍ، تَامِّ المُلْكِ، لا يُنَازِعُهُ في مُلْكِهِ مُنَازِعٌ، أوْ يُعَارِضُهُ فيهِ مُعَارِضٌ، فتَصَرُّفُهُ في المملكةِ دَائِرٌ بينَ العدلِ والإحسانِ والحكمةِ والمصلحةِ والرحمةِ، فلا يَخْرُجُ تَصَرُّفُهُ عنْ ذلكَ.
أما المخلوقَ فليسَ عندَهُ للعبدِ نَفْعٌ ولا ضرٌّ .. ولا عَطَاءٌ ولا منْعٌ، ولا هُدًى ولا ضَلالٌ، ولا نَصْرٌ ولا خِذْلانٌ، ولا خَفْضٌ ولا رَفْعٌ، ولا عِزٌّ ولا ذلٌّ، بل اللَّهُ وَحْدَهُ هوَ المَلِكُ، الذي لَهُ مُلْكُ ذَلِكَ كُلِّهِ.



ورود الاسم في القرآن الكريــم
ورد اسم الله تعالى الملك في القرآن خمس مرات .. منها قوله تعالى: {هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُون} [الحشر:23]، وقوله: {فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ِ} [المؤمنون:116].
وورد المالك مرتين .. في قوله تعالى {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، وقوله {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلكِ} [آل عمران:26] .
وأما المليــك فلم يرد إلا مرة واحدة .. في قوله تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (*) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54,55]



المعنى اللغوي للاسم

أصل الملك في اللغة الربط والشد، والمَلِك والمالك والمَليك: ذو المُلك.



المعنى في حق الله تعالى

والمَلِك هو النافذ الأمر في ملكه، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه ..
والملك الحقيقي هو الله وحده لا شريك له .. ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك كما قال: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُل سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79]، فهذا ملكٌ مخلوق ومُلكه مقيد محدود، أما الملك الحق فهو الذي أنشأ الملك وأقامه بغير معونة من الخلق، وصرف أموره بالحكمة والعدل والحق، وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه في شيء من الملك .
فالملك سبحانه هو الذي له الأمر والنهي في مملكته، وهو الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته .. قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ } [سبأ:22,23].

والله عزَّ وجلَّ مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته لا يمتنع عليه منها شيء .. لأن المالك للشيء في كلام العرب هو المتصرف فيه والقادر عليه.
والمليك هو المالك العظيم الملك .. ويكون بمعنى المَلك، وهو اسم يدل على العلو المطلق للمَلك في مُلكه ومِلكيته، فله علو الشأن والقهر في وصف الملكية، وله علو الشأن والفوقية في وصف الملك والاستواء على العرش، قال أمية بن أبي الصلت:

لك الحمد والنعماء والفضل ربنا .. ولا شيء أعلى منك جدا وأمجد


مليك على عرش السماء مهيمن .. لعزته تعنو الوجوه وتسجد




والفرق بين المالك والملك والمليك
أن المالك في اللغة صاحب المِلْك أو من له ملكية الشيء، ولا يلزم أن يكون المُلك له .. فقد يؤثر الملك على المالك وملكيته فيحجر على ملكيته أو ينازعه فيها أو يسلبها منه.
أما الملك فهو أعم من المالك .. لأنه غالب قاهر فوق كل مالك، فالملك مهيمن على المُلك وإن لم تكن له الملكية إلا بضرب من القهر ومنع الغير من التصرف فيما يملكون.

قال ابن القيم: "الفرق بين الملك والمالك: أن المالك هو المتصرف بفعله، والملك هو المتصرف بفعله وأمره، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره.
فمن ظن أنه خلق خلقه عبثًا لم يأمرهم ولم ينههم، فقد طعن في ملكه ولم يقدره حق قدره، كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ..} [الأنعام: 91]. فمن جحد شرع الله وأمره ونهيه، وجعل الخلق بمنزلة الأنعام المهملة؛ فقد طعن في ملك الله ولم يقدره حق قدره" [بدائع الفوائد]، ويقصد أن مالك الشيء لا يلزم أن يكون ملكًا لوجود من يرأسه ويمنع تصرفه في ملكه، أما الملك الذي له الملكية والملك فله مطلق التدبير والأمر.
والمليك صيغة مبالغة في إثبات كمال الملكية والملك معا مع دوامها أزلاً وأبدًا .. فالمليك أكثر مبالغة من الملك، والملك أكثر مبالغة من المالك، فاسم الله المليك يشمل الأمرين معا الملكية والمُلك.

ما هو أثر الإيمان بأسماء الله تعالى الملك والمالك والمليك؟


تابعوا الإجابة في المقال القادم بإذن الله،،
المصادر:
(النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى) للشيخ محمد الحمود النجدي.
(أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة) للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني.
شرح أسماء الله الحسنى من مؤلفات ابن القيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق