Translate

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

حق التوكل


التَّوَكُّل هو ..أن تعتمد على الله عزَّ وجلَّ وتفوِّض أمرك إليه، في شيء يعود عليك بالخير أو يدفع عنك الشر .. بشرط الأخذ بالأسباب التي أمر الله بها ..
ولا يكون العبد متوكلاً إلا إذا استشعر ذله وافتقاره وخضوعه لربِّه جلَّ جلاله، فالمُتكبِّر لا يمكن أن يكون متوَكِّلاً أبدًا،،
والتَّوَكُّل أعم من الاستعانة .. فالتَّوَكُّل يكون في جميع أمور العبد الدنيوية والآخروية، أما الاستعانة فلا تكون إلا في العبادة.

فكيف نتوَكَّل على الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ؟
ولكي تكون متوكلاً بحق، عليك باتخاذ الخطوات التاليـــة ..
أولاً: معرفة ربِّك جلَّ وعلا ..

فإن عرفته بحق، ستثق تمــــام الثقة أنه وحده القادر على نصرك وكفايتك، وأنه لن يُضيِّعك أبدًا طالما إنك تبتغي رضـــاه ..

والمتوكِّل على ربِّه لا يحمل همَّ الرزق؛ لأنه يعلم أن له ربِّ رزَّاق كريم يُدبِّر له أمره ..
عن الحسن، قال: " ابن آدم لا تحمل همَّ سنة على يوم، كفى يومك بما فيه فإن تكن السنة من عمرك، يأتك الله فيها برزقك، وإلا تكن من عمرك فأراك تطلب ما ليس لك " [شعب الإيمان (2:467)]
اشغِل نفسك بما أنت فيه، ولا تقلق بشأن المستقبل .. ولكن توكَّل على ربِّك وهو وحده القادر على تدبير أمرك،،
شكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله، فقال له إبراهيم: " يا أخي، انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوِّلْهُ إلى منزلي" [شعب الإيمان (2:477)]
قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك هذا من التَّوَكُّل؟، قال: على أربع خلال :
" علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فلست اهتم له، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة ، فأنا أبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال، فأنا مستحيي منه " [شعب الإيمان (2:456)]
فلا تطلب شيئًا بيد الله من غير الله ..
أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن طلب الدنيا ؟! .. اطلب الدنيا ممن بيده الدنيا .

واحذر من تلك الأمور التي تنافي التَّوَكُّل ..
1) التطير والتشاؤم ..
عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا (أي: لا يوجد منا أحد لا تمر عليه لحظات من التشاؤم).. ولكن الله يذهبه بالتَّوَكُّلِ" [رواه أبو داود وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3098)]
2) إتيان الكهنة والتعلُق بهم ..
ومنها: قراءة الفنجان والحظ وغيرها .. وقد توَّعد النبي صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك، فقال " لن يلج الدرجات العلى من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر تطيرًا" [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع (5226)]
3) تعليق التمائم ..
تفاؤلاً أو تبركًا بها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من علق شيئًا، وكِلَ إليه "[رواه أبو داود وحسنه الألباني]
ثانيًا: إثبـــــات الأسبــــــاب والمُسببـــــات ..
فهناك مفهوم خاطيء بأن من يتوَّكل على ربِّه، ليس عليه أن يكِد ويعمل لجلب الرزق ! .. وهذا يُسمى
تواكل وليس توَكُّل .. عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله اعقلها وأتوكل؟ أو أطلقها وأتوكل؟، قال "اعقلها وتوَّكَل"[رواه الترمذي وحسنه الألباني]
وقد أُمِرنا بالأخذ بالأسبــــاب في طلب الرزق ..
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده .." [صحيح البخاري].. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا، فيعطيه أو يمنعه" [صحيح البخاري]
ثالثًا: الاعتماد على الله وحده في كل الأمور، وعدم الاعتماد على أي شيءٍ سواه ..

فلا تعتمد على ذكائك أو خبرتك أو إمكانياتك المادية والمعنوية، ولا تعتمد على أي شخصٍ مهما كـــان ..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
".. إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله"[رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]
وعن أبو قدامة الرملي، قال :
قرأ رجل هذه الآية : {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 58]، فأقبل على سليمان الخواص، فقال : يا أبا قدامة، ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله في أمره. ثم قال : انظر كيف قال الله تبارك وتعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)، فأعلمك أنه لا يموت، وأن جميع خلقه يموتون، ثم أمرك بعبادته، فقال:(وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ)، ثم أخبرك بأنه خبير بصير. ثم قال : والله يا أبا قدامة،
لو عامل عبد الله بحسن التَّوَكُّل، وصدق النية له بطاعته؛ لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم، فكيف يكون هذا محتاجًا، وموئله وملجؤه إلى الغني الحميد؟!" [التَّوَكُّل لابن أبي الدنيا، (1:37)]
رابعًا: حسن الظن بالله عزَّ وجلَّ ..
فإذا ابتلاك الله عزَّ وجلَّ ببلاء، تيَّقن أنه ما منعك إلا ليُعطيَّك .. فهو سبحــــانه جواد كريم رحيـــم، أرحم بك من والديك.

أخيرًا: استسلام القلب له ..

كاستسلام الميت بين يدي الغاسل، يُقلبه كيف يشـــاء .. فتستسلم لأمر ربِّك وتفوِّض له أمرك وتركن إليه وحده، وثق إنه لن يُضيَّعك ..

فتتبرأ من حوِّلك وقوتك، وتستعن على ضعفك بقوته سبحـــانه ..
عن أبي موسى رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة" [متفق عليه]
فيـــــا عبــــاد الله، توَّكلوا على الله في جميع أموركم ..
وإذا التبست الأمور واختلطت، عليكم بالاستشارة والاستخارة ..
{.. فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: 159]
المصادر:
درس "التوكل " للشيخ هانى حلمى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق