Translate

الأحد، 11 نوفمبر 2012

قلبك كنزك

إن نعمة الهداية إلى طريق الله سبحانه وتعالى هي أعظم المنن التي يمن الله عزَّ وجلَّ بها على عباده ..

وبعد أن اصطفاكي الله عزَّ وجلَّ بتلك النعمة العظيمة على الرغم من عدم استحقاقك لها،

هلا قابلتي هذا الإحسان بالشكر والعرفان؟! ..

أم إنكِ تقابليه بالتكاسل عن الطاعات والفتور والوقوع في المعاصي ؟!


يقول الله تبــارك وتعالى {..وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 211] .. فقد أنعم الله عليكِ بنعمة الهداية، ولكن قلبك ألتفت وغرته الدنيــــا .. وبعد أن كان مُقبلاً على ربِّك، صار مُتعلقًا بأشيــــاء كثيرة تُبعده عنه .. فيكون عقوبة ذلك الالتفات؛ ضيق وألم نفسي شديد، فتنتكسي وتفتري وتبتعدي عن طريق ربِّك جلَّ وعلا!.

ويقول الله عزَّ وجلَّ {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} [محمد: 25] .. فمن يضل بعد الهداية، قد استحوذ عليه الشيطان وأوقعه في الغفلة، فلا ينتفع بخيرٍ أبدًا .. ومن علامة إعراض الله عن العبد، أن تجده مشغولاً بما لا ينفعه.

يــــا أختـــــــاه، إن دينك أغلى ما تملُكين.. فدينـــــك حيــــاتك، وبدونه أنتِ ميتة وإن كنتِ بين الناس حية ..


أترضي بالدنية في دينك وبكِ رمقٌ من حيـــــــاة ؟!!



يقول أبو عبد الرحمن العمري الزاهد: "إن من غفلتك عن نفسك، إعراضك عن الله بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه، ولا تأمر ولا تنهى، خوفًا من المخلوق" [سير أعلام النبلاء (15:391)]

وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن عبد الله بن مسعود قال "أيكم استطاع أن يجعل في السماء كنزه فليفعل، حيث لا تأكله السوس ولا تناله السرقة، فإن قلب كل امرء عند كنزه" [الزهد لابن المبارك (1:223)]

فكنزك هو إيمانـــك، وإيمانـــــك في قلبك ..

فينبغي أن تخافي عليه وتحفظيه من الضيــاع .. وتنفقي المال والجهد والوقت لأجله، فلا تبيعيه بثمنٍ بخسٍ أبدًا ..



ومن أخطر الأسباب التي توقِع في الانتكــــاس:: إهمال الإنســان منا لقلبه ..

فإن القلب دائم التقلُّب ويحتـــاج للعناية والرعاية باستمرار .. يقول رسول الله "لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانا" [رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني، صحيح الجامع (5147)] .. فمن لا تتعاهد قلبها وتلهث خلف تحقيق رغباتها الدنيوية وتعكف على متعها الزائلة، تقع في غفلة شديدة وتتحقق فيها عبودية الدنيا .. فيصير التزامها ظاهريًا فقط؛ فهي أمام الناس عابدة لله وقلبها عابدًا للدنيــا والهوى ..

فلابد أن تفهمي طبيعة قلبك، ولا تتركيه للآفـــات ترتع فيه؛ من غل وحقد وحسد ..

فإن تلك الكبائر الباطنة، أشد عند الله تعالى من الكبائر الظاهرة؛ كالزنا والسرقة والعياذ بالله تعالى .. يقول ابن القيم "وقد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبه، لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، ويتألم بجهله بالحق بحسب حياته.


وَمَا لِجُرْحٍ بَمِّيتٍ إيلامُ .."

[إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (11:2)]

فقد يموت قلبك وأنتِ لا تشعرين يــا أختـــاه ..



فعليكِ أن تتفقدي أحواله وتجددي توبتك من تلك الذنوب الخفية الخطيرة ..

فمن الممكن أن يشوب قلبك ذرة كبر، تمنعك من دخول الجنة .. قال رسول الله
"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" [رواه مسلم]

أو ذرة حسد، تنزع من قلبك الإيمان .. عن ابن الزبير رضي الله عنهما: أن رسول الله قال "دب إليكم داء الأمم قبلكم؛ البغضاء والحسد، والبغضاء هي الحالقة ليس حالقة الشعر ولكن حالقة الدين .. " [رواه البزار وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2695)] .. وقال "..لا يجتمعان في قلب عبد؛ الإيمان والحسد" [رواه أحمد وصححه الألباني، صحيح الجامع (7620)]

وللأسف الشديد قد شاع هذا الداء الخبيث بين الإخوة والأخوات في زماننا .. والنبي قد بيَّن لنا العلاج، فقال "والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت لكم ذلك؟ أفشوا السلام بينكم" [رواه البزار وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2695)] .. فنحن بحاجة لأن نتعامل مع أخواتنا بمودة وتعاطف وتراحم؛ لكي تكون أخوتنا إيمانية بحق وليست مجرد أخوة للمصالح والاستئناس.

ولكي تُطهِّري قلبك من تلك الآفة الخفية، عليكِ بالتالي ..

1) إذا رأيتِ نعمة قد مَنَّ الله على أختك بها، فاعلمي إنها لو كانت لكِ فلن تتمكني من أداء حق شكرها .. فالله تعالى يقول {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53] ... فعليكِ أن تنشغلي بشكر النعم التي مَنَّ الله عزَّ وجلَّ عليكِ بها، بدلاً من التطلع إلى النعم التي مع غيرك ..

ومن لم يشكر نعم ربِّه عليه، فقد أستحق العذاب الأليم .. قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] .. والكفر هنا بمعنى كفر النعمة، أي: عدم شكرها.

2) فكري في المنافسة الحقيقية؛ المنافسة على الجنة .. فإذا رأيتي أختك قد تفوقت عليكِ في حفظ القرآن أو طلب العلم أو أي من الأمور النافعة، فعليكِ أن تتمني لها الخير وتتسابقي معها في أمور الآخرة .. وهذه هي الغبطة المحمودة، التي تزيد من رصيدك الإيماني .. يقول رسول الله "لا تنافس بينكم إلا في اثنتين؛ رجل أعطاه الله قرآنا فهو يقوم به آناء الليل والنهار ويتبع ما فيه، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني ما أعطى فلانًا فأقوم به كما يقوم، ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفق منه ويتصدق، فيقول رجل مثل ذلك" [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (636)] ..



واحذري يــــا أختــــاه أن يكون في قلبك بغضــــاء تجاه المسلمين والمسلمات ..

عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله : أي الناس أفضل؟، قال "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟، قال "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني] ..

وعن سفيان بن دينار التمار، قال: سألت ماهان الحنفي ما كانت أعمال القوم؟، قال: كانت أعمالهم قليلة، وكانت قلوبهم سليمة. [حلية الأولياء (2:250)].

فإن لم يكن لأعمالك الصالحة أثر على قلبك، فاعلمي إنها رُدت إليكِ ولم تُرفع إلى ربِّك،،

لذا عليكِ أن تُطهِّري قلبك بالأمور التالية ..


1) الدعــــاء والاستغفار لأخواتك بظهر الغيب .. فكلما تذكرتي إحدى الأخوات، التي قد تكون أساءت لكِ في يومٍ من الأيام .. استغفري لها من قلبك، لأنكِ تعلمين أن لكِ ذنوب تخشين أن تلقي الله عزَّ وجلَّ بها .. وبعفوك عنها، يعفو الله عنكِ ..

عن النعمان بن المنذر قال: قال رجل للفضل بن بزوان: إن فلاناً يقع فيك. قال: لأغيظن من أمره .. فدعا له قائلاً: غفر الله له. قيل له: من أمره؟، قال: الشيطان. [صفة الصفوة (2:42)] ..

وعن عبد الله بن المبارك، قال: "إذا اغتاب رجل رجلاً، فلا يخبره به ولكن يستغفر الله " [شعب الإيمان (9:123)]

وقيل للحسن البصري: إِن فلانًا أغتابك، فبعث إِلَيْهِ طبق حلواء، وَقَالَ: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك.

2) قائمة العيوب القلبية .. فتكتبي قائمة تذكري فيها جميع عيوبك الباطنة، كالحقد والغل والحسد والضغينة الذي قد تجديه في قلبك تجاه أخواتِك .. وضعي تلك القائمة أمام عينيكِ باستمرار، حتى تُصلحي من عيوبك وكي لا تضيع حسناتك هباءً منثورًا.

3) إصلاح مجالسنا من ذكر أعراض المسلمات .. فالنميمة من الكبائر التي تستوجب شدة العذاب في القبر .. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله مر بقبرين يعذبان، فقال "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير. بلى، إنه كبير؛ أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة .." [صحيح البخاري].

واعلمي أن من تمشي بالنميمة وتُفسد ذات البين بين الناس، تخون الله عزَّ وجلَّ .. ومن يخون الله يخون العبـــاد، فلا تثقي بها .. كان الخليل بن أحمد، يقول "من نم إليك نم عليك، ومن أخبرك بخبر غيرك أخبر غيرك بخبرك" [شعب الإيمان (13:502)].

وعن خالد الربعي، قال "كنت في مجلس لنا، فذكروا رجلاً، فنالوا منه، فنهيتهم، فكفوا، ثم عادوا في ذكره، فتفرقنا من ذلك المجلس فنمت، فأتاني في منامي أسود بهيم، على كفه طبق من خلاف، فيه بضعة من لحم خنزير، فقال: كُل، فأبيت عليه، فقال: كُل، فأبيت عليه، وأحسب أنه انتهرني، وأكرهني عليه، فجعلت ألوكه، ولا أسيغه، وأنا أعلم أنه لحم خنزير، فانتبهت، فما زلت أجد ريحها من فمي نحوًا من شهرين" [التوبيخ والتنبيه (1:218)]

أرأيتي مدى بشاعة الغيبة والنميمة على الغير .. وهذا مصداقًا لقول الله تعالى {.. وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12]



4) احبي الخير لجميع الناس .. قال رسول الله ".. وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما .." [رواه الترمذي وحسنه الألباني] .. فمن أساسيات إسلامك، أن تحبي الخير لجميع أخواتك ..

قال إسماعيل بن عبيد: لما حضرت أبي الوفاة جمع بنيه، وقال: "يا بني، عليكم بتقوى الله وعليكم بالقرآن فتعاهدوه، وعليكم بالصدق حتى لو قتل أحدكم قتيلاً ثم سُئِل عنه أقر به، والله ما كذبت كذبة منذ قرأت القرآن. يا بني،

وعليكم بسلامة الصدور لعامة المسلمين، فوالله لقد رأيتني وأنا لا أخرج من بابي وما ألقى مسلماً إلا والذي في نفسي له كالذي في نفسي لنفسي، أفترون أني لا أحب لنفسي إلا خيراً؟" [حلية الأولياء (2:495)]

5) تعاهدي قلبك بالدعـــــاء .. واحرصي على الدعاء الذي أوصى الله تبارك وتعالى به نبيه : "اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون، أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك" [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]

6) التورع عن بعض الأمور المباحة .. فلا تعرضي نفسك للفتن؛ لأنها تورث القلب الغفلة .. لذلك اجتنبي الأماكن التي تقع بها المخالفات، كالاختلاط وغيره ..

قال رسول الله "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لدينه وعرضه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى" [حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (896)] ..

فعليكِ أن تتعلمي الورع؛ لكي تحفظي دينك من الانتكاس .. واتقي بعض الأمور التي لا حرج فيها، حتى لا تقعي فيما فيه حرج ..

ها قد علمتي يا أختــــاه بعضًا من الأسبــــاب التي تُعينك على إصلاح قلبك ..

فعليكِ أن تجاهدي نفسك وتُطهِّري قلبك ... فلا غل ولا حقد ولا حسد ولا ضغينة ..

نسأل الله أن يُطهِّر قلوبنا وأن يتُب علينا توبة يرضى بها عنا،،


المصادر:

درس "اشكري نعمة إلتزامك" للشيخ هاني حلمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق