Translate

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

أول طريق النجاة


إن بداية الطريق لكل من يريد أن ينجو من عذاب الله عز وجلَّ، ويتقرَّب إليه ويتعرَّف عليه .. لكل من يتمنى أن يستقِم على درب الإيمان ويلحَّق بركب الصالحين، فيعيش الحياة الهانئة السعيدة ويرزقه الله تعالى رفقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى هو قيــــام الليل ..
فطريق النجــــاة يبدأ من قيـــــام الليل .. هذه الصلاة التي يؤديها العبد فى أي وقت من بعد صلاة العشاء حتى أذان الفجر، و التي أقلها ركعتان .. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها إحدى عشرة ركعة .. وأفضل أوقاتها أن تؤدَّي فى الثلث الأخير من الليل ..
وقت النزول الإلهي ..حين يتودد إليك الملك سبحانه وتعالى، فيقول ".. هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه.."[صحيح الجامع (8167)]
ولقد ربى الله عزَّ وجلَّ قلب النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته معه في بداية البعثة على معرفته سبحانه عن طريق قيام الليل .. لأن القيام يزرع معرفة الله تعالى في القلوب وهو طريق الوصال معه سبحانه .. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: 1,4]

فيــــا من تعيش الحيرة والقلق وتخشى على نفسك في زمن الفتن، الأمان عند ربك الرحيــم الرحمن فالتمسه في قيــــام الليــــل .. وخُذ الأمر بمحمل الجد لتصل ..
وقيـــام الليل من أفضل القُربات لرب العــالمين .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن"[صحيح الجامع (1173)]
وأفضل الصلاة بعد الفريضة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل .."[صحيح الجامع (1116)]
وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم به .. فقال"يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"[صحيح الجامع (7865)]
ولا شرف أعظم من شرف القيام بالقرآن ..كما قال صلى الله عليه وسلم "..شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس"[رواه الطبراني وحسنه الألباني]، وقال "أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل" [رواه ابن أبي الدنيا وصححه الألباني]


وهو من أسباب النجاة من عذاب الآخرة .. عن عبد الله ابن عمر قال: رأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم ترع، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا [صحيح البخاري]
وكان أبا ذر رضى الله عنه يقول "يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، صوموا في الدنيا لحر يوم النشور"
وسبيــل الوقاية من الفتن .. عن أم سلمة قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول "سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات (يريد أزواجه لكي يصلين)" [رواه البخاري] .. ونحن في زمن الفتن، ولا طريق للنجاة إلا بالمنــاجـــاة.
والنجـــاة من الذنوب ورواسب الجاهلية .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم"[رواه الترمذي وحسنه الألباني] .. فإن كنت تقع في بعض الذنوب ولا تستطيع الفكاك منها، قيـام الليل هو طريقك للنجاة ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، فقال "إنه سينهاه ما تقول"[رواه أحمد وصححه الألباني]

ومن أعظم أسبـــاب دخول الجنة .. قال تعالى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16,17].. قال يزيد الرقاشي "بطول التهجد تقر عيون العابدين، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله تعالى"
وبه يصل المرء إلى رفقة الصديقين والشهداء في الفردوس الأعلى .. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا؟، قال"من الصديقين والشهداء" [رواه ابن حبان وصححه الألباني] .. فإن قام الليل بعد إقامة أركان الإسلام، فهو من الصديقين والشهداء .. {.. وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[النساء: 69]
كما إنه من أعظم أسباب الثبـــات والإستقامة على الطريق .. قال تعالى {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 1,6] .. قال الفراء "{أَشَدُّ وَطْئًا} أي أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش فعبادته تدوم ولا تنقطع".. فقيام الليل هو العلاج لكل مُتردد ومُتذبذب يخشى على نفسه الإنتكاس، فبه يستقيم ويُثبِّت الله قلبه ويوفقه.
أما من سيترك القيام فليخش على نفسه الإنتكـــاس .. قال ابن عمر "أول ما يُنقص من العبادة: التهجد بالليل ورفع الصوت فيه بالقراءة"

وسبب لبلوغ منزلة التقوى .. قال تعالى في صفة المُتقين { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 15,18]
ويكفي إن أهل القيـــام هم أحبـــاء الرحمن .. عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم، الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه ؟، والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا فقام من السحر في ضراء وسراء"[رواه الطبراني وحسنه الألباني] .. وقد قال صلى الله عليه وسلم "فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه"[صحيح الجامع (1107)] .. فينجو من هول الحساب يوم القيامة، الذي قد وصفه الله تعالى في قوله {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف: 49].. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نوقش الحساب هلك"[رواه البزار وصححه الألباني]
كان ثابت البناني يقول: "لا يسمى عابد أبداً وإن كان فيه كل خصلة خير، حتى تكون فيه هاتان الخصلتان، الصوم والصلاة؛ لأنهما من لحمه ودمه".. وقال الفُضيل بن عياض "من أخلاق الأنبياء والأصفياء الأخيار، الطاهرة قلوبهم، خلائق ثلاثة: الحلم، والأناة وحظ من قيام الليل".
يقول تعالى {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الشعراء: 218,220] ..
فهل سيراك الله عز وجلَّ وأنت ذليل، مُنكسِّر، خاضع، مُتحبب إليه سبحانه وتعالى؟
أم على أي حال سوف يراك؟!
المصادر:
درس "الذى يراك حين تقوم" للشيخ هانى حلمى .
درس "نجيناهم بسحر" للشيخ هانى حلمى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق